الأحد، 10 يونيو 2012

خلف عوينات شمسية


خلف عوينات شمسية 
 
لا يصمد أمام واقع هذه الحياة ... فيحاول تغيير دنياه , وان كان بطريقة اضعف الإيمان , تتعدد وسائله وتتشعب وتتوالد الأفكار ونهاية كل فكرة تعب , قلق ,  انهيار...
يركب سيارة يشارك فيها أناس لا يعرفهم ... يسمع جدلاً عراقياً سياسياً عقيم  ينتهي إلى قناعات غير واقعية بحسب رأيه وأحيانا إلى صراع وتبادل كلمات مطلية بالخشونة المفرطة تحمل تبريرات واهية ضعيفة لا لشيء غير ان صاحبها يحب أن يكون رأيه صائباً حتى وان كان مدرك للخطأ .
 
يقرر وضع عويناته الشمسية الداكنة وهو يعشق لحظات التصاقها فوق انفه ... يرى من خلالها العالم بشكل أخر ...
يبتسم يغلق أذنيه عن كل الأصوات ولا يسمح بدخول أي صوت حتى صاحب الجواز الدبلوماسي وصاحب المرور السريع والسري ...
 ينصت بتأمل عميق لصوت ذاته يحاور , يناقش يكتب نثراً وشعراً يرسم لوحات يشيّد أبنية وعمارات يقفز فوق كل الأوجاع والآهات ..
 يزعم انه قطب رحى , فيلسوف مفكر و فارس مغوار ..
يترأس كل الوزارات يتسنم كل المناصب ولا يعمل بنظام زرع المصائب تمنحه عتمة عويناته كل ما يريد وكيفما يريد .
يختبئ خلف زجاج معتم ... تغرق عينيه بأنواع الهم ... يهرب مرات ومرات وآلاف المرات ..  يبتسم ... يحزن  يمر بكل الفصول  فكل شيء يتغير بسرعة بتغير لون العالم من حوله لأنه ينضر عبر زجاج عويناته المعتم .
لحظة هجوم يده على نافذة عالمه الوردي ...  هي لحظة إعلان نهاية حكمه للعالم الخيالي لتضع نقاط الحقيقة على حروف الواقع ليفيق مع تقلص بؤرة عينه فيضع قدمه بحذر شديد على الأرض يترجل من تلك الحافلة الصغيرة ... يتلفت يميناً وشمالاً يبصر طريق مختصرة يسلكها رغم انه لا يعشق الاختصار ويحب أن يحصد ما يزرعه في سنوات وبتدرج يتلاءم مع بطئ الحياة , ينقل أقدامه المتتابعة على ذلك الإسفلت الساخن من اثر قبلات أشعة الشمس التموزية التي تكاد تخترق جمجمته الصغيرة يتقيها تارة بيده وتارة أخرى بورقة تكاد تميز من الغيظ لكثرة ما القي فيها من ثقل الكلمات , تتسارع أنفاسه تكبر فتحات انفه من وسط جمجمة تصمد بصلابة أمام صراع الأفكار بداخل صندوقها العاجي السميك , ويرهق انفه حمل وسائد العوينات التي تجري من تحتها انهار عرق صيفي مزعج ... وسط دهشة من الفرق بين العالمين ... لحظة إدراكه هذه الحقيقة مرة و صعبة و  قاسية  يكون قد تذكر انه حين يحث خطاه فان ما ينتظره في داره أمرين لا ثالث لهما ... أما أن يكون التيار الكهربائي موجود فتكون ساعتها اذرع المأخذ الكهربائية تعانق الأسلاك بلهفة المشتاق مخلفةً جواً معتدلاً كتعبير عن فرحها وابتهاجها ليغفوا القادم من سعير الشارع الملتهب على نسمات برد صناعي تمنحه كل معانِ الاسترخاء , أو أن تعذبه بنار هجران وجفاء وتملل وضجر و تمتمات لا تخلوا من جزع لحالة باتت مزمنة تهبه انهار عرق بشري ينضح  نابعاً من مسامات باتت كأنها آبار في جنة غناء , يصل مع التفكير في هاتين الحالتين  إلى نهاية رحلته اليومية عند أعتاب بيته القديمة بقدم ولادة أبيه وتعالي زغاريد الأقارب وأصوات الصلاة على محمد وال محمد . 
نشرت في جريدة السماوة 

1 التعليقات :

غير معرف يقول...

السلام عليكم
مااجمل الاستعارة والتشبيه والكنايه بحديثكم لقد عودوتنا ان نقرأ لكم بشوق يزداد عن ما قبله لسلاسة كلمات بليغة تصور حال الشعوب بالعالم والكهرباء... ((نسمات برد صناعي تمنحه كل معانِ الاسترخاء )) ودمتم سالمين .
ملكوت

إرسال تعليق