الأربعاء، 1 مايو 2019

هؤلاء اخو موفق صبحي


هؤلاء اخو موفق صبحي
علي حسين الجابري

القصة القصيرة .. قصة لمشهد محدد في فترة محددة من الزمن تحتزل كل عناصر النجاح الادبي وقد استساغها القارئ العربي منذ عقود وذلك لجملة من الاسباب أهمها قصر المادة الأدبية وسرعة فهم المغزى منها وقد أبدع كثير من الأدباء في بناء هذا الصرح الادبي الشامخ ولعل من بينهم الأديب موفق صبحي من خلال مجموعته القصصية (هؤلاء أخي ).
 استطاع الأديب ان ينتصر من خلال يراعه لكل المظلومين ايام النظام المباد حيث تجول بمفرداته المتضمخة بألم الفراق ومغادرة حياة الشباب بين عوالم مختلف محلقاً بجناحي الإبداع والوجع العراقي السرمدي ليحول لنا عباراته الى طوف ينتقل بنا عبر فضاءات الإبداع من ضفة لأخرى وكل مرة نرسو بها في مكان يفوح منه الم وشجن ووجع ورائحة الموت المنتشرة في ارض بلدي منذ ان وطئها ادم ابو البشر او من كان من ذريته , تناولت قصته الموسومة بها المجموعة قصة اخ لضحية من ضحايا صدام حسين المجيد الذي اسرف في دم العراقيين حد الجنون فقتل على الظن وعلى تشابه الاسماء وعلى أي شيء حتى نسمة الهواء وقد ابدع صبحي بكل ما نقله ولعل قصته هذه تعتبر وثيقة ادبية يسجلها التاريخ لحقبة مر بها العراق ولازال الى يومي هذا يعاني من اثارها التي اهلكت الحرث والنسل تجول فينا المبدع بكل الوان البلاغة الادبية حيث لم يدخر أي جهد في كتابتها فقد تضمنت الاستعارات الجميلة والكناية والتشبيهات وكذلك الرمز والتضمين من النصوص التاريخية والاساطير والقارئ لهذه القصة يجد بعد اول صفحة او اثنتين ان الكاتب ينقله الى عالم اخر تحدثت عنه كتب الاساطير التاريخية لمدينة اوروك (الوركاء) والهتها المتعددة حيث شكل لنا لوحة تشكيلها رسمتها فرشة ابداعه كيف دخل اخ الضحية الفقيد الى عوالم خفية وقد اطلق عليها العالم السفلي وهو ينتقل بهذه العوالم كبشري وكل مرة يفقد فيها حاسة من الحواس , والمأمور بنقله يردد "فلا بد من نواميس العالم السفلي , ايها الفاني لا تدع فمك يستهجن طقوس العالم السفلي " وقد التقى بعدد من الالهة التي كان يؤمن بها اهل هذه الديار قبل 3000 عام سبقت الميلاد وما ان سأل عن اخيه في العالم السفلي حمل لنا موفق صبحي استفهام هذه الالهة عن العراقيين الذين ترد اسمائهم على عالم الموتى ولا تأتي ابدانهم ليعكس لنا صورة من ظلم الحاكم وطغيان فرعون العصر ونمروده حين اشترطت عليه الالهة ( ايرشكيجال ) ان تدعه يرحل من عالمها السفلي على ان يدخل جسد وروح اخيه الفقيد في عالمها .
تلمست من هذه القدرة على الانتقال بين العوالم ابداع كبير وقدرة عالية على التجوال بين عوالم الخيال الخصب لدى المؤلف ينم عن قوة في الحافظة واطلاع واسع على التاريخ والاساطير وثقافة عالية تجعلني اثني عليه ايما ثناء وان كنت اصغر من ان اقيم مثل هكذا ابداع .
ثم ينتقل الأديب الى مرحلة اخرى من البحث عن اخيه من عالم الخيال وعوالم الأساطير التاريخية الى عالمنا الحالي وهو يجول بين ذرات تراب مكان الجريمة التي نفذتها اذرع صدام حسين حيث قامت جلاوزته بانهاء حياة العديد من الشباب العراقي وعبر وسائل غريبة كأحواض السائل ألحامضي او عبر الدفن وهم أحياء او الإعدام بالرصاص الحي لينتقل الى مرحلة اخرى هي قصة من بين مئات بل ألاف القصص التي تتحدث عن مشاهد المقابر الجماعية التي وجدت بعد إزالة النظام المباد .
حيث مغزى وسر هذه التسمية الصادمة للقصة وهو يعبر عن لحظة اكتشاف مقبرة جماعية ضمت ضحايا الا نظام البعثي وقد استدل على رفات اخيه من خلال دليل ما يعود به الى اهله ليقول هذا اخي لكنه اكتشف ان رفات اخيه معه اكثر من جمجمة لا يعرف ايها لأخيه فجمعها كلها في كيس ابيض يعكس براءة الضحايا وكفنهم النهائي بعد دفنهم بدونه ليقول كل هؤلاء اخي  لاني لا اميز من بين جماجمهم ايها كانت لاخي .
حصلت هذه القصة الممتعة والجميلة على جائزة السيد جاسم للابداع في دورتها الثالثة للعام 2007



0 التعليقات :

إرسال تعليق