الأربعاء، 22 يونيو 2011

الخضر مدينة العطاء الفكري


الخضر مدينة العطاء الفكري
 تقع مدينة الخضر جنوب محافظة المثنى وهي تابعة إداريا لها وهي على بعد (30كم)  من مدينة السماوة , وكانت في بداياتها قرية صغيرة أصبحت  بعد تأسيس الدولة العراقية ناحية وبعد تطور المنطقة تم تحويلها في عام 1969الى  قضاء , هي صغيرة بحجمها كبيرة بعطائها ونفوس أهلها تغفوا على جرفي الفرات الحنون قريرة العيون يحرسها طيب أهلها وحلاوة وعمق علاقاتهم الاجتماعية وروابطهم القوية ,لها تاريخ يشار إليه بالبنان في الثقافة والجهاد ومقارعة الطغاة شاركت في ثورة العشرين فأطعمت الموت المال والبنين , وأغرقت في مياه فراتها المراكب ,  وقتلت كل من كان عليها راكب ,  فكانت ولازالت مدينة الخضر عليه السلام الذي يروي العوام  انه مر فيها فتباركت ولما سار على أرضها انبتت فكان طلعها غيرة الرجال وشجاعة الإبطال .
لقد أنجبت الخضر الأمة الإسلامية العديد من رجالها الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا أمراء الكلمة وجنود القلم وحملة العلم , ولعلنا نتعرض في حديثنا المتواضع هذا الى ابرز شخصيات المدينة ولو بشيء من الإيجاز فنذكر الشيخ (علي حيدر)  وهو من العلماء الفضلاء وقد كان يدرس في المدينة المقدمات كالمنطق والنحو وكان ذا نفس قيادي ثوري ساهم في قيادة حركة الجهاد ضد المحتل الغازي البريطاني وقد كان على اثر مقاومة الشيخ وأهل المدينة أن قامت القوات البريطانية بإحراق المدينة وارتكاب مذبحة العين مما اضطر أهل المدينة إلى الهرب وتسمى هذه الحادثة ب (ألهجة) وقد أبيحت المدينة ونهبت حتى من قبل القرى المجاورة ثم تضائل دور المدينة الجهادي بعد وفاة الشيخ رحمه الله وقد ترك لنا علمين ومفخرتين هما :
* الشيخ طالب  حيدر وهو من العلماء الذين عرفوا بالذكاء والفطنة والحنكة والقيادة واشتهر بالتفوق على أقرانه وله أراء جريئة خاصة في مجال إحياء المراسم الحسينية وكان له الباع الطويل في رد المد الفوضوي عام 1968 وهو من المؤسسين الأوائل لحزب الدعوة الإسلامية نفي من الخضر ايام الملكية على اثر اصطدامه بالسلطة وقد اثر البقاء في كربلاء وانتقل بعدها إلى الديوانية منذ عام 1962 حتى وفاته رحمه الله في 1973
* الشيخ أسد حيدر ولعله أشهر من أخيه ولد الشيخ عام 1327هـ وتوفي في الكويت 1405هـ ودفن في النجف الاشرف ترجم له العلامة الاميني في المعجم بان قال عنه عالم فاضل وكاتب جليل ومؤرخ متتبع , شاعر أديب , كثير التأليف والبحث من مؤلفاته كتاب ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) وكتاب مع الحسين في نهضته وكتاب الشيعة في قفص الاتهام وكتاب تاريخ الكوفة وكتاب عائشة والتشريع الإسلامي وله مقالات وقصائد في الصحف النجفية .
لقد كانت الخضر آنذاك مدينة للعلماء والفضلاء وقد أشار صاحب كتاب عبد الزهراء الحسيني في ذكراه الرابعة عشر الى هذه الحقيقة حيث ذكر ان هذه المدينة الصغيرة كانت تحوي ثلاثون عالماً ومن أعلامها فضلا عن من قدمنا له هو :
* السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب:   لقد أرخ ولادته كوركيس عواد في العام 1919م فيما قال ألأميني في عام 1981م وقد أرخ لولادته أيضا الشيخ حيدر المرجاني (1338هـ) ومثله الاقا برزك الطهراني في ذريعته .
كانت له علاقة متينة مع المجاهد الشيخ كاشف الغطاء وقد قدم الشيخ جعفر كاشف الغطاء له في كتابه الأنف الذكر وأشاد به وقد كان له شرف ملازمة الشيخ فقد نزل في مدرسته للعلوم الدينية وتتلمذ على يده ويد الشيخ أسد حيدر وقد أصبح السيد رحمه الله الكاتب الشخصي للشيخ كاشف الغطاء قدس سره الشريف وقد كانت بصماته واضحة على أسلوب وعلم السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب .
وهو من أعلام المنبر الحسيني ومن العلماء المشار إليهم بالبنان قدم كتاب يعد من أروع ما كتب في نهج البلاغة وهو بأربعة أجزاء اسمه مصادر نهج البلاغة وأسانيده وكان قد تكلم السيد رحمه الله في مقدمته انه ومنذ صباه كان يهيئ لمثل هذا العمل الكبير وقد أشاد به جملة من العلماء أمثال الشيخ حسن الصفار في كتابه ( رؤى الحياة في نهج البلاغة ) :
" وأخيرا اصدر احد العلماء موسوعة جيدة اثبت فيها أسانيد ومصادر كل خطبة ورسالة وكلمة من (نهج البلاغة) وهو العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب والذي قام بتحقيق نسبة ما في ( نهج البلاغة) إلى الإمام علي بالاعتماد على مصادر موثقة من كتب التاريخ والأدب اغلبها كان مؤلفاً قبل نهج البلاغة وبعضها تروي كلام الإمام بإسناد متصلة لا تمر في طريقها على نهج البلاغة ولا على جامعه الشريف الرضي . وقد طبع هذا العمل العلمي الهام في أربعة مجلدات تحت عنوان مصادر نهج البلاغة تقرب عدد صفحاتها على ( 1870 ) صفحة .
ويقول الشاعر الكبير مصطفى جمال الدين :
( ثلاثة أقلام كان لها الدور المميز في أغناء المكتبة العربية بهذا النهج البلاغي العظيم : الشريف الرضي في اختياره .. وابن أبي الحديد في شرحه .. والسيد عبد الزهراء الحسيني في رد الشبهة عنه )
أما الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان فيقول :
( ولعل آخر دراسة توثيقية هامة وشاملة اتبع فيها منهاج النقد الخارجي هي دراسة الأستاذ السيد عبد الزهراء الخطيب التي نشرها في كتابه مصادر نهج البلاغة ) وغيرها الكثير من الأقوال التي ذكرت جهد هذا السيد الجليل والعالم النبيل والذي حقيقتا مما يفخر به المرء حينما ينتسب لمدينة مشى عليها مثله في يوم من الأيام لا بل ولد عليها وتربى وكتب هذا السفر الخالد فيها,
وبعد سلسلة من الانتقالات انطفأت شمعة حياة السيد  الحسيني في دمشق عام 1993 ودفن في مقبرة السيدة زينب (ع) ولكن سراج علمه سيبقى مضيء إلى ما شاء الله  وللسيد بالإضافة الى ما ذكرنا عدة كتب أخرى منها :
1 - كتاب الشافي في الإمامة ( تحقيق وتعليق ) 4 أجزاء
2 - الغارات للثقفي ( تحقيق وتعليق )
3 _ منار الهدى ( تحقيق وتنقيح وتعليق )
4 - مصادر الخلاف للشيخ الطوسي ( تحقيق )
5 - شرائع الإسلام ( شرح وتعليق ) 8 أجزاء
6 - مائة شاهد وشاهد من معاني كلام الإمام علي (عليه السلام) في شعر ابي الطيب المتنبي .
المؤسف أن مأساة العراق حالت دون أن ينجز العلامة الحسيني الأهم من مشاريعه الأدبية وهو في بدايته والذي لو قدّر له أن ينجزه لغيّر الكثير من المسلمات في التراث العربي، وهو كتاب (التحريف والتصحيف) لكل ما وقع في التراث العربي المخطوط والمطبوع، والذي كان مقدراً له أن يكون في عشر مجلدات، ناهيك عن كتابين آخرين صادر النظام الفاشي مسوداتهما مع مكتبته الثمينة الغنية بمخطوطاتها وقد حالت آلام الغربة بينه وبين إعادة كتابتهما، هما: (عمر بن عبد العزيز) و(عمل مسرحي عن كربلاء.  ومن الشخصيات الأخرى التي أنجبتها ارض الخضر هو:
* الشيخ محسن البزوني
 محسن ابن الشيخ حسن البزوني الخضري ولد نحو  1328 / 1910 وهو عالم فاضل أديب جليل متتبع كثير البحث والمطالعة دقيق الفكر جيد الأسلوب. هاجر إلى النجف الأشرف وحضر الدرس عند  شيوخها واستفاد من بحوثهم في الفقه والأصول وتصدى للتأليف والبحث وعاد إلى بلده ناحية الخضر (معجم المؤلفين العراقيين 3/91), درس كذلك  في المدرسة المهدية في  الحوزة العلمية في كربلاء  أنهى البحث الخارج وكان  الشيخ ورع تقي ثقة وقد أصبح وكيل مرجعية السيد محسن الحكيم في المنطقة وكان ذا سمعة طيبة بين العلماء وقد انتقل بعد رحيل الزعيم الأكبر السيد الحكيم إلى مرجعية السيد الخوئي فأصبح وكيل  لمرجعية السيد الخوئي  ألف كتاب النقد السديد على شرح الشقشقية العلوية لابن أبي الحديد وقد قدم له السيد محمد صادق بحر العلوم . النجف الأشرف وهو كتاب مطبوع وللشيخ جزء ثاني ولكن لم يوفق لطبعه بسبب الظروف وسياسة البعث , كذلك له كتاب بعنوان معجم القرآن الكريم توفي السيد عام 1993 وكانت مراسيم تشييعه قد تحولت الى انتفاضة شعبية اعتقل على اثر ها الكثير من الشباب المؤمن وقد كانت مواجهة انتفاضة تشييع البزوني بإشراف من وطبان التكريريتي الذي لم يتوانى عن سجن وتعذيب . معجم المطبوعات النجفية / 372.  وايضا لا ننسى الدور الكبير الذي أداه السيد كاظم الحسيني الخضري وهذه نبذة مختصرة عنه رحمه الله واسكنه فسيح جناته
* السيد كاظم الحسيني :
هو السيد كاظم علي جبار الحسيني الخضري ولد في  العام 1918م  درس في النجف الاشرف على يد ابرز علمائها كان كثير ما يتردد على القضاء وقد التزم الخطابة الحسينية وكان متميز في مجالس العزاء الحسيني اخذ منه السيد عبد الزهراء الحسيني الكثير عنه وكان يمثل الأستاذ والخال للسيد عبد الزهراء الحسيني السابق الذكر  كان يقدم الدرس الحوزوي والتعليمي في المنطقة وقد اشرف على تعليم الشيخ أسد حيدر وأخيه الشيخ طالب حيدر  وقد تقدم ذكرهما .
بعد هذا الاستعراض الذي أتمنى أن أكون وفقت  لخدمتكم  وأقدم الشكر الجزيل إلى كل الذي ساعدني في انجاز هذا الجهد البسيط وفي نهاية الكلام أتقدم إلى  المجلس المحلي في قضاء الخضر محافظة المثنى للنظر في تسمية شوارع المدينة بإعلامها وهم مما تقدم ترجمته وغيرهم  ولعله يكون أفضل لو تصمم جداريات أو لوحات متوسطة الحجم يوضع عليها صورة الشخصية  وترجمة مختصرة لحياته وأعماله تزين المدينة وتكون إما على الأعمدة أو في الأماكن العامة  كذلك تقدم بطاقة تعريفية للزائر الوافد على المدينة بأهم شخصياتها لان من حق أهل الخضر الكرام الفخر بأبنائها وعلمائها والحمد لله رب العالمين .

                                                                                              علي حسين الجابري


1 التعليقات :

Unknown يقول...

الخضر مدينه الطيبين فعلا

إرسال تعليق