الأحد، 16 يونيو 2013

حارس الالواح - قصة قصيرة

القصة القصيرة – حارس الألواح ) الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة القصة القصيرة الواعدة والتي أقامها اتحاد الأدباء والكتاب فرع المثنى في عام 2013

حارس الالواح - قصة قصيرة 
علي حسين الجابري 
لا يعرف ما الذي يحل به حينما يحس بشيء يكتم عليه  أنفاسه , أنفاسه التي تتسارع وتتباطأ ...
حين يمر بمثل هذه الأزمة النفسية يتراءى له انه إنسان اخر !


يكره كل شيء حوله , يضجر من كل ما يحيط به, .يخرج صوب ألاشيء نحو ارض مجهولة لا يسكنها الا ذرات الرمل ولا يسمع فيها الا صوت الريح   , يفر صوب تلال الرمل والمجهول .
هو خارج مدينته الصغيرة بفرسخين أو يزيد على ذلك بقليل , يفترش الرمال,  فاتحاً للنسمات رئتيه يملؤها هواء خالٍ من الصخب والكذب والشقاق ويرافق خيالاته بعد ان يطلق لها الأعنة ويبيح لها كل شيء...  تتناسل .... تنشطر ... تتفاعل... على أوراق حياته الصفراء بفعل ثلاثين عاماً مرت على ولادته ودخوله هذه الحياة التي يعجز دائما عن وصفها الا انه يتدارك - الحمد لله – دائما.
 تلك بداية العودة للوعي, ينبش الأرض بسبابته ولا شيء في أذنه غير صوت الريح  وتلك هوايته التي مارسها منذ أول مرة يزوره الهم وكتمان الأنفاس ,  ينسجم تماماً مع معزوفة الريح الجميلة التي يعزفها على ذرات  التراب وتلال الرمل وباقي جدران قديمة , وهذه هي لحظات يحس هو بسعادتها وطعمها , يحسب كل ما يقوم به ألان  من باب إعادة التنظيم لحياته لكي يعود إلى المدينة مرة أخرى وهو بغير الذي ذهب فيه.
هناك سمع صوتاً ! الصوت عكر له مزاجه , وأفض بكارة خلوته من غير إذن ولا رخصة دخول ! ... يتلفت فلا يرى شيء ,يعود ليكمل تمتمته التي يلحنها على حبات الرمل الساخن  , يسمع الصوت مرة أخرى ولكن بشكل أوضح ! .
 يسمع " قف أيها العابث في ارض تجهل قدسيتها".
تسلل الخوف إلى قلبه , بدأ يتلفت و الخوف الذي يخالطه الاستغراب بدا يمارس فعله العظيم في نفسه , وكلما تلفت أكثر يستحوذ الخوف على قلبه أكثر , لأنه لا يرى شيء , يرجع البصر كرات وكرات وفي كل مرة يرجع إليه البصر خاسئا و حسير .وقف وفرائصه ترتعد و لا تكاد تحمله ساقاه وعبارات اللوم تهاجم نفسه بشكل متكرر " ما الذي أتى  بي إلى هنا ؟!! .... من الذي يناديني ...؟!! ما هذه المصيبة ؟" , ريقه بدأ يجف من شدة الخوف , كانت حتى النسمات العابثة بثوبه ترعبه , شفتاه تلاقي بعضها في حركة سريعة وكل شيء من حوله فراغ .
" لا تخف" سمعها مرة أخرى بنفس نبرة الصوت الأول ثم عاد يقول " لا تخف " و مرة أخرى: " أنا أراقبك منذ أن قدمت أول مرة إلى هنا " ساعتها كان  الهروب  أفضل خيار ,  إلا انه لم يستطع لأنه لا يقوى على الوقوف و لا الركض ومرة أخرى " لا تخف .... أنا مثلك اعشق هذا التراب المقدس ....  ولكي تطمأن أقدم لك نفسي أنا اسمي ( بطالوس) وأنا اعرف اسمك واعرف من أين أتيت , رغم  انك لا تراني ولن تراني فلا تكثر من التفاتاتك أنا  هنا منذ أيام جدك الأول , لماذا لازال قلبك متسارعا في ضرباته ؟! اطمأن وحق الإلهة لن أؤذيك ".
 أي إلهة ؟! ما هذا اليمين ؟  من أين أنت ؟ وأي إلهة ؟ دعني اذهب أرجوك .
بطالوس : ألا تعرف الإلهة ؟ بجوار من أنت ؟  ألا تعلم أنك بجوار الإله ( اتو) ؟ الم تأتِ إلى هنا  لرؤية أوروك العظيمة ذات الأسوار العظيمة وأول المدن المسورة وأكبرها ؟ أترى ذلك التل ؟
نعم أراه ...
انه المعبد الأبيض للإلهة ( انا نا) هي كانت راضية عن جدك الكبير أيها الابن البار.
جدي ! كيف وماذا كان يعمل لترضى عنه ( انانا) ؟
بطالوس : ألا تعرف بان جدك كان معلماً في أول مدرسة في تاريخ البشرية في أوروك أول من كتبت الحرف وعلمت الكتابة .
اعرف ولكني لا اعرف جدي الذي تتكلم عنه هذا لأني أقول الصدق .
بطالوس : كان جدك يعلم الرياضيات والحساب واهم عملية هي عملية الجمع بأسلوب الفكاهة والحكايات  وأهمها حكاية الذئب الذكي والذئاب التسع الغبية  وكل هذا موجود في ألواح المدرسة المعمولة بالطين و المفخورة بالنار كي لا تتلف فاتحاد الطين بالنار يصنع خلود الكتابات .
أيها الصوت ...  يا  بطالوس الحق والحق أقول أنا كلما أحس بان صدري ضاق أجد  في المسير إلى أن أصل إلى هنا فأطالع التلال واستنشق عبير الهواء هنا , وارجع إلى أهلي بغير الذي خرجت به .... أين أنت يا صاح ؟ أين أنت؟  إلى أين ذهبت ؟ زدني مما لديك أين أنت ؟ لا تتركني هاهنا فقد تأخر الوقت.

كان الفضاء فارغا والصدى يعيد عليه الصوت ...  (أين أنت )  يعود الصدى مرة تلو أخرى عاد مرة أخرى الى داره ولكن كل شيء لديه مختلف هذه المرة  فعيناه يملؤهما ألف سؤال وسؤال هل كل  ما قال هذا المخلوق  صحيح ؟ هل ذكرت الكتب التاريخية كل شيء أم لا تزال الأسرار سجينة أطنان الأتربة في جوف الصحراء  ؟ بدأ الصداع يتسلل أليه  لينهي تساؤلاته وليشغله عن كل شيء فعاد إلى أهله واحتضن الوسادة وبدأ يملؤها علامات استفهام بلا نهاية.
نشرت في جريدة المحافظة وجريدة العراق اليوم بتاريخ 10 /3/2013

0 التعليقات :

إرسال تعليق