الاثنين، 21 أكتوبر 2013

ترنمية وجع - قصة قصيرة

ترنيمة وجع - قصة قصيرة -
علي حسين الجابري 

أمام شباك غرفته الصغير المغطى بستارة مزركشة يجلس في كل ليلة قبل ان يحس ان بدنه بحاجة الى  النوم ...  يمسك فنجان قهوة اعتاد على صنعها بيده .....وبيده الأخرى يمسك جريدة غصت بأخبار الموت حتى بدأ يشم من وريقاتها عطر الكافور ... يرتشف قهوته ؛
وتجمد غريب يسيطر على عينيه باتجاه  فتحة صغيرة في الشباك يدخل منها  النسيم وضوء القمر الذي يعيد إلى ذاكرته أيام العراق حين كان أنشودة المنشدين ( بغــــــــــداد والشعراء والصور .... ) إلا إن ظل وصوت وقع  أقدام متثاقلة قطع عليه تأمله فوجد نفسه بدافع الفضول يبحث عن المصدر يكاد يبصر من بعيد شاخصاً متجلبباً بالسواد يقصد صوب الفرات .



الفرات ذلك النهر الذي حفظ كل شيء عن العراقيين وواكب كل حركاتهم وسكناتهم منذ الأزل كان رفيقهم على الدوام فبمائه يزرعون , ويعمدون أطفالهم , ويغسلون ذنوب موتاهم, يجمع كل أطيافهم ويحمل كل أمنياتهم حتى التي لم توضع في زجاجة مغلقة كالتي يكتبها فريد حين كان مراهقا كان يبت شكواه إلى ورقة يلفها ثم يضعها في زجاجة ليحملها الفرات إلى المجهول وكذلك يفعل بكل أمنياته التي تتكسر في صدره .
كان الظل يلوَح في يده كأنه يرمي شيء في النهر ثم يودعه بحركة كف يده في هذا الوقت المتأخر من الليل صوت يشبه الناي يبعث في روحك الحزن يداعب شغاف القلب يحرك مكامن الخيال يحرك كل الذكريات التي تتصادم حين سماعه و الصور والآلام حين يستمر ذلك  الشجو القادم من على كتف النهر الذي يكاد أن ينوح ويتأرجح من كتلة الهم التي يحملها .. بدأ الصوت القادم من النهر قصرا يغمض عينيه يركز أكثر ويفتح كل منافذ جسمه ليخلق جو من الاندماج بين اللحن وروحه حتى أيقن بان الصوت لامرأة تقول في شجواها ( دلوول يالولد يبني دللول ) ترنيمة أم عراقية اعتادت على نغمة الحزن منذ أن عرفت إنها من بلاد مابين النهرين .
وبقدر استمتاعه بنغمها كانت ترتسم هناك علامة استفهام ماذا تفعل وبهذا الوقت ؟ وما قصتها ؟ قرر مواجهتها .. خرج من داره قاصدا مكانها معترضا طريقها وقبل أن تصل إليه راجعة حينما أحست به قادما صوبها كالبرق أطلق سؤاله من أنت ؟ وماذا تفعلين في النهر ؟ سأأخذك إلى السلطات .
قالت : أرجوك لا تفعل .. أنا أختك من المدينة ماذا تفعلين هنا ؟
قالت: جئت أرى ولدي هو باستغراب : ولدك ! قالت : يا سيدي إن أخبرتك تتركني ولا تتعرض لي ؟
قال : نعم قالت : أتذكر حين كان منتصف الشهر المبارك عند اكتمال القمر وكان الكل مبتهج وكانت الأعياد في كل مكان على طول مجرى الفرات حتى باتت  موجاته ملأى بالشموع قال: نعم قالت : أخذت أختي ولدي وكان قد أطفئ شمعته الثالثة كان لي دنيتي وأملي ولكن الفرات كان غاضبا يومها وقد ابتلع الجميع في تلك الليلة المقمرة .
بللت لحيته دموعه لم يستطع لجمها فأسرعت تنحدر على خديه ... وما الذي رميتيه في النهر ؟
قالت : ملابس ابني الجميلة لأنه يريد أن يغير ملابسه كما عودته على ذلك فسرعان ما يقوم  بتوسيخها وها أنا آتي لأرى آخر مكان كان فيه وارمي له قطعة ملابس واغني له ترنيمة النوم لينام وهو مطمئن ( دلول يلولد يبني دلول). 

العراق اليوم العدد 1986 في 21- 1--2013

0 التعليقات :

إرسال تعليق