الاثنين، 18 فبراير 2013

موعد مع الخلود ( قصة قصيرة )


موعد مع الخلود ( قصة قصيرة )
علي حسين الجابري
صباح توسم بالبرد القارص والضباب الذي لا يكاد يرى فيه لأمتار قليلة قرر جواد الرحيل نحو مكان لا يعرف حتى هو سر الجاذبية فيه وسر الانجذاب نحوه ... أفاق قبيل تكبيرة النداء  بالصلاة سبغ على وجهه ويديه ورجليه الوضوء في عجالة يجهل سرها أيضاً ارتدى ملابس ثقيلة تلائم البرد خارج منزله البسيط الذي بناه 





والده قبل ما يقرب على ربع قرن خرج يتخطى أخوته وأطفاله الذين خنقهم زحام البيت فناموا وينامون كانهم في خان مسافرين  وهو يسمع زفراتهم ويتصفح وجوههم بوداع من لا يعود لهم مرة أخرى مرددا عبارة التمجيد للخالق و تسبيحات أملاها عليه معلم كان يتعلق هو به أيام دراسته الابتدائية .
غاب عن وعيه في بحر الأحلام والتمنيات التي تبدو ساذجة لغير من سكن بلاد الرافدين يمسك بيده حقيبة سوداء على العكس من قلبه الذي لا يعرف الحقد ولا الضغينة وفي يده الأخرى راية ترف على منكبيه كتب عليها عبارة في وسطها ((هيهات منا الذلة )) هو دائما يتأملها تغرقه موجات معانيها العالية يغوص مرات ومرات ولا يصل إلى قاعها فيعود مرة أخرى يتأملها .
ودع زوجته عند الباب وداع لم ينطق فيه ببنت شفة تكفلت عيناه بكل عبارات التوديع مستأمنها على كل ما يملك طفلين بعمر الورد خرج من داره ولم يعرف الخوف قلبه ولم يتلفت يشج غياهب الظلام بتسبيحاته والنسمات الباردة تداعب رايته .
في مفترق الطرق لحق به احدهم بدأ بالتحية فردها جواد بأحسن منها ,  هل لي أن اسأل يا جواد ؟
جواد : تفضل ولكن أتعرفني ؟
قال : نعم اعرف كأنك جواد ولكني مستغرب لهذه الهيئة ولذلك البيرق والخروج في هذا الوقت من الليل ...
الله اكبر  الله اكبر
جواد : انه صوت الأذان لنصلي يا صاحبي ... أنهى صلاته وخرج لم يلاحظ صديقه ولا حتى في المصلى أكمل طريقه بخطوات حثيثة فلحق به مرة أخرى,  لم يحرجه عن سبب غيبته .
لم تقل لي إلى أين السفر بهذه الهيئة ؟
جواد : أنا سائر إلى معلمي ومرشدي ومعلم الدنيا كيف يكون الخلود
ماذا ... ماذا ؟؟!! ...   الخلود ! .... وكيف يمكن للإنسان أن يعلم الخلود ما لم يكن خالدا ؟! هل تعرف طريقه حقاَ 
جواد : نعم اعرف وها أنا أحج إليه في كل عام .
اقسم عليك بكل المقدسات ان تدلني عليه  دعني التقي به
جواد : على الرحب والسعة
قل لي كم له من العمر الان
جواد : ما يقارب ثلاثمائة بعد الألف من السنوات
لا لا  انك تمازحني
جواد : لست في مورد المزاح يا صاحبي
أذن زد خطواتك سرعة فانا في أتم الشوق للقائه ... جعلت قلبي يخفق بكل قوة إنني أكاد أن لا أصدقك .
جواد : أتعرف يا صاحبي ان من نسير نحوه هو أكرم البشر و أحلمهم افتدى أمته فملك قلوبهم  فصارت أفئدة من الناس تهوي أليه .
أكيد يا جواد فمن يملك إكسير الخلود هو أجدر بالكرم والحلم والعزة .
جواد : أزيدك أكثر من هذا , إن هذا المعلم منح لأصحابه الخلود
أيومكن أن يُمنح مثل هذا الحظ العظيم ؟
جواد : نعم فأصحابه وإخوته ومن محصهم بالبلاء واختبرهم نالوا من إكسيره العظيم ما جعلهم يخلدون كل هذا الدهر الطويل .
دلني يا جواد فقد ملئت قلبي حبا به قبل ان اعرفه .... دلني فقد أموت من شوقي له قبل أن أراه واطرق بابه , الا نستقل واسطة لنصل بسرعة ويسر؟  .
جواد : لا أنا أفضل أن أصل إليه على قدمي كي أصل إليه وأنا متعب وما هي إلا أيام قليلة ونصل أعتابه المباركة .
أنظر يا صاحبي الى هذه الجموع من الناس ... لا تقل انهم يعرفون سرنا ووجهتنا ؟
جواد : نعم أنهم يعرفون وكلهم سائرون نحو كعبة الصبر والخلود والإباء
دمعتان راحتا يشقان طريقهما في وجنتيه لم يستطع ان يخفيهما او يمنعهما التفت اليه جواد فأشاح بوجهه كي لا يراه
جواد : أتبكي يا صاحبي ؟ هل سمعت مني ما يبكيك ؟ هل تسببت لك بما يجرحك يا صاحبي أنا أسف فسامحني .
لا لا جزيت خيرا يا جواد ولكني ابكي على سنوات عمري وعمر صديقي وتلك الأيام التي قضيناها نطارد الوحوش ونعبر البحار والقفار لم نعرف الحقيقة ولم نلتمسها من أهلها يا ويلي ضيعت من يدي كل شي .
يا جواد سنوات وسنوات وأنا ابحث عن سر الخلود ونبتة تحفظ لي الشباب قتلت الوحش وأغضبت الآلهة فطاردتني بعضها وتأمرت عليً أخرى إلى ان وجدتها بعد ان قال لي (اوتونبشتم ) أين مكانها ولكني أضعتها مرة أخرى عندما سرقتها أفعى .
ولكن الحلم تحقق وقد عرف احدهم كيف يكون الخلود فهنيئا له هذا الحجيج وكل تلك الأفئدة التي تهفو للقائه وتقبل أعتابه .
رفرفة الراية فوق كتف جواد تضرب كجرس تنبيه  يرجعه إلى عالمنا الحالي ليجد نفسه بين السائرين وسط طريق الخلود وليس ثمة احد معه غير رايته وسبحته السوداء التي لا تكل ولا تمل الدوران بحب بارئها .

 نشرت في العراق اليوم 1825



2 التعليقات :

غير معرف يقول...

قصة جميلة وذات معاني دفينه وللايمان اقرب والعقيدة ظاهرة من راية سوداء ترفرف وحجيج الى من لهم الولاء هو طريق الخلود سلمت وسلم الله يمناك وحقق امنيات كل ساكن ببلاد الرافدين .

تحياتي لك استاذ
لبنان

Unknown يقول...

قصة رائعه وتستحق ان تنال جوائز اخرى كتبت بروح شفافه واستلهم كاتبها اجواء وحواراتها حتى الصامته منها من قضية الحسين ع تمنياتي بالنجاح والتوفيق

إرسال تعليق