الخميس، 29 نوفمبر 2012

الأرجوزة الشعرية التعليمية ( أراجيز العباس بن علي – ع - أنموذجا )


الأرجوزة الشعرية التعليمية ( أراجيز العباس بن علي – ع - أنموذجا )
علي حسين الجابري
الرجز من بحور الشعر العربي ولعله من أولها حيث كانت العرب قبل الإسلام تنظم عليه أنسابها ومفاخرها وبطولاتها إلى ان جاء عصر المهلهل وامرئ ألقيس فجاءت معهم القصيدة العربية وتعددت البحور الشعرية وبقي الرجز يمتاز بالسهولة والبساطة .




سمي الرجز رجزاً لانه تتقارب فيه حركات الحروف حركة بسكون حركة بسكون في تفعيلته وهو يشبه حركة قدم الناقة في المسير والكامل منه على وزن :
مستفعلن      مستفعلن     مستفعلن
مستفعلن     مستفعلن      مستفعلن
وقد استخدم هذا البحر في ابهى استخداماته في الجانب التعليمي وترى ذلك جليا في الفية بن مالك النحوية ومتن الاجرومية وغيرها من الأراجيز وقد استخدمت في الحرب لغرض تعريف المقاتل بنفسه وأفعاله .
وبعب من ابرز دروس الدهر هي أراجيز أبطال ملحمة الإباء والخلود ملحمة ألطف هنالك حيث كانت الكلمات تخرج من القلب والسيف على حد سواء كلمات الحق والدفاع عن الإنسانية والكرامة والدين وقد برز من بين الأبطال قائدهم إلى جنة الخلد هو كان كل عسكر الحسين وعمود خيمة الإباء والصمود هو العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وقد اخترتها لانها تمثل دروس تعليمية لم تختلف عن باقي الأراجيز الكبرى في الدهر ولشموليتها بكل الموضوعات التي تهم الإنسان فقد قال عليه السلام حين برز إلى جند البغي والعدوان مشتتاً صفوفهم على جانب الفرات قائلاً :
لا أرهب الموت إذا الموت رقى * حتى أوارى في المصاليت لقا
نفسي لابن المصطفى الطهر وقا * انى أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
قد تبين لك ايها القارئ العزيز مدى شجاعة هذا الصنديد في ارجوزته الاولى على الاحرى في هذه المعركة معبرا عن ذلك بانه لا يهاب الموت حين لقاءه وانه عليه السلام نفسه فداء لابن بنت رسول الله الحسين بن علي عليهما السلام وقد ذكر ذلك دون ان يقول هو اخي او ابن والدي أي انه يدافع عن الحسين لانه الحسين لا بدافع الاخوة والانتماء العائلي .

وقد قال حين كشفهم عن الماء بجانب الفرات واحس ببرودة الماء في كفه وكان كبده عليه السلام كصالية الجمر كما يقول الامام الصادق عليه السلام حيث قال كان قلب عمي العباس كصالية الجمر حين وصل الفرات فهنا كانت الفروسية بابهى صورها حين لا تشرب الماء وانت تمسك به وفي قمة العطش فقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني * و بعده لا كنت أن تكوني
هذا حسين شارب المنون * وتشربين بارد المعين
هيهات ما هذا فعال ديني * ولا فعال صادق اليقين
قال في أبياته السابقة ان شراب الماء في هذا الوضع والحال وهو ان يكون الحسين وعياله عطشى هذا الفعل ليس من فعال الدين ويقصد من فعال صاحب الدين والمتدين بالإسلام  ولعل هذا درس اخر بحاجة الى تأمل من قبل المتبع لأخلاق أهل البيت وسلوكياتهم وتعاملهم مع اهل البيت وأئمة الحق .

ولعل ذلك تكرر في ارجوزته الاخرى التي قالها حين احاط به القوم بعد ان كمن له حكيم بن الطفيل لعنه الله وقطع يمينه المباركة وسقطت على الارض  لتكون منارة من منارات كربلاء ووتد من اوتاد العقيدة الثابتة قال في ارجوزته :
والله إن قطعتموا يميني * إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين
لاشك في ان شخصية مثل العباس عليه السلام لا يقسم الا صادقا وعلى درجة من اليقين فهو في أرجوزته قال في قسمه انه عليه السلام وان قتعتم يمينه المباركة فانه لا يترك الدفاع عن الدين وهذا ملفت للنظر لانه في دفاعه هنا ومعركته يدافع عن الحسين عليه السلام وحرم الحسين وعيالاته فلماذا قال أحامي عن الدين  كلمة أحامي لعلها تعني اكثر من كلمة دفاع (وهذه دعوى للتأمل), فانه اختزل كل الدين بالامام الحسين وهذا درس كبير منه سلام الله عليه بان الحسين هو الدين ومن اتبعه هو اتبع الدين الحنيف أي ان من خالفه خالف الدين وهذا كفر وشرك بالله تعالى وقد وصف في البيت الأخر الإمام بأنه إمام صادق اليقين و اليقين من الدرجات العليا التي يذكرها القرآن الكريم  وان هذا الإمام الصادق اليقين هو نفسه الحسين بن علي عليهما السلام الذي تقاتله القوم حتى لا يقول احد انه قصد احد اخر .
وله أيضا سلام الله عليه حين قطعوا يساره المباركة أرجوزة أخرى قال فيها :
يا نفس لا تخشي من الكفار   *   وابشري برحمة الجبار
قد قطعوا ببغيهم يساري     *     فاصلهم ياربي حر النار
وأرجوزته كانت خطاباً لنفسه لأنه بات بلا يمين يقاتل بها ولا شمال فيخاطب نفسه عليه السلام بعدم الخوف والاكتراث بجمع العدو واجتماعهم عليه وكما بشر نفسه برحمة الله وهذه التفاتة منه عليه السلام لمقامه العالي عند الله تعالى حيث رأى بعين البصيرة مقامه العال في الأخرى ولكنه لم يترك عدوه دون قتال وبما انه فقد الشمال واليمين بقي لديه سلاح الدعاء فكان منه ان دعا عليهم بان يصلهم رب الجلالة النار الخالدة فيسقيهم منها ويخلدون فيها الى ما شاء الله .
كانت ارجوزات العباس عليه السلام مدعاة للدراسة والعلم في شتى المجالات في الشجاعة والعلم والتبصر والتأمل وتزكية النفس وتخليصها من قيود العبودية لملذات الدنيا .
نشرت في جريدة  العراق اليوم العدد 1773

3 التعليقات :

غير معرف يقول...

بارك الله بكم وزادكم من علمه وتعجز الاحرف ان تجمع كلمات تفي حق هذا الموضوع المميز وقلمكم النازف بكل مفيد ....
لبنان

غير معرف يقول...

بارك الله فيكم وفي ماتقدمون وجعلكم انشاء الله دائما متميزين

غير معرف يقول...

شكرا على الافادة وجزاكم الله كل خير ..........الموضوع المطروح واسع ومتشعب وما اوردتموه جزء يسير لايستوفي الموضوع حقه لكن مشكورين

إرسال تعليق