الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

مخفر الصافي بين عشق الفرات وخفافيش الليل شاهد على العصر


مخفر الصافي بين عشق الفرات وخفافيش الليل  شاهد على  العصر
علي حسين الجابري
سبعون عاماً وهو يقف شامخاً على كتف الفرات يغازل الموج ويستنشق عبق الزهور الطبيعية التي تنبت على جرف نهر الحياة الازلي , سبعون عاماً مرت وهو لا يمل النظر بعيون البساتين ولا يكف عزف نشيد الحب مع السعفات الباسقات ويروي لهن قصص الوفاء والايثار والفروسية وقصة الحب بين مخفر الصافي وارض بساتينها .




تقع الصافي في جنوب قضاء الخضر وبمحاذاة نهر الفرات شيد فيها مخفر سمي ب(الصافي)  في اربعينيات القرن العشرين وكانت هنالك ضرورة لإيجاده بهذه النقطة وعلى كتف نهر الفرات ليكون نقطة سيطرة امنية للحكومة الملكية آنذاك وليكون صمام امان لقوافل المسافرين عبر النهر وعلى الطريق البري وكانت هنالك تقف القوافل ليتم استحصال المبالغ والضرائب لينقلوا الى الجانب الاخر من النهر , كان مخفر الصافي اعلا بناية في المنطقة ليعتلي برجه احد الجنود ويكشف المنطقة بالكامل دون الحاجة الى جهاز تقريب المسافات .
بني هذا المخفر بيد عاملة عراقية وبتصميم انكليزي وقد اشرف على البناء مهندس عراقي .
هذا البناء الرصين والهندسة المعمارية عالية الدقة جعلت من هذا المخفر كأن لم تمر به تلك السنوات ولم يعش سبعون عاماً بين ربيع وخريف بني بطابوق من صناعة انكليزية نقلت الى موقع العمل عبر المراكب المتوسطة الحجم وكانت تسمى حينها ولكن ... نفس هذه الطابوقات الصغيرة كانت هي مشكلة هذا الشاهد على العصر فلم يخلو الامر من الاعتداءات ولم تصمد امام المغريات البسيطة هذه النفوس الشحيحة  فخفافيش الليل كانت لها عشقها الخاص بهذا المكان ولكن عشق من نوع اخر فتوالت الهجمات وتعددت المحاولات لهدم المكان وسلب هذه الطابوقات استقرارها منذ ان دخلت المكان ولكي تعادل الكفة فلابد من وجود الجانب المشرق هنالك كان الحاج ناصر فرحان ملوح واولاده واحفادة كان جارا مجيرا للمخفر عاش بجنبه وتربى بقربه ولكن الحاج اصبح الان في سبعينيات عمره ولم تعد قدماه تحملانه بشكل جيد ولكن جاره المخفر شامخاً يعانق الشمس في كل صباح فيستعيد حبه للحياة ونشاطه .
يقول الحاج ناصر انه كان صغيراً يحبو عندما سقط في اساسات المخفر  العميقة  والموغله في اعماق الارض فاستنقذه ابوه وخاله الذي كان يعمل عاملا في بناء المخفر  وحين سمع من ابيه هذه القصة بعد سنوات بقت عالقة في ذهنه وعرف حينها ان للمخفر علاقة قوية بحياته ويضيف قائلاً: لقيت اليت على نفسي ان لا ترك جاري عرضة للنهب ولا السلب فلم اسمح لسنوات طوال لاي مخلوق ان يقترب منه وان ياخذ حجرة واحدة من حجراته  وباتت قضية حماية المخفر للحاج ناصر واولاده قضية مبدأ ... ولكنه يخشى المستقبل من الايام ويخاف القادم من السنوات .
حكى لنا الحاج ناصر حكاية بناء المخفر بشكل كامل وحكايات قدوم الانكليز الى المنطقة عبر الفرات وحكاية العشائر العراقية الاصيلة التي كانت ترفض بشكل قاطع ان يمر ( مركب) الانكليز في نهر الفرات فكانت تنبض فيهم النخوة وتنطلق بنادقهم القديمة لتمطر المراكب بوابل من الذخيرة الحية وهناك اشار الى مكان ( مركب انكليزي ) غرق بنهر الفرات على نحو كيلو شمال المخفر قريب من مدينة الخضر واصبح لصيقا  لقاع النهر وقتل كل من فيه ... كما ذكر قصة دخول(  الامسح ) الى المنطقة والى السماوة حينها كانت مسورة بسور عال يحميها من الاعتداءات ذلك الضابط الانكليزي كان يصيب هدفه برصاصة واحدة ولم يخطئ بحياته وربما لم يكن هذا اسمه الا انه .
كان قلب الحاج ناصر يعتصر الماً وحين يتكلم كانه يتكلم عن فرد من افراد عائلته لا عن مخفر عائديته للدولة ولا عن اثر لمخفر قديم اكل عليه الدهر وشرب فهو يعده شقيق عمره يخاف عليه ويلجأ اليه في تذكر الايام الخوالي وايام شبابه وصباه , يخشى نهب الغادرين والفتك به فقد اعتاد على تفقده بين الحين والحين بنفسه ويتجول في غرفاته بين مكتب مدير المخفر المبني من الطابوق وبين اسطبل الخيل الذي كان يعج بصهيل الاصائل من الخيل يصعد الى السطح وكانه يدير عينيه حول المكان مستطلعاً كانه يودع شقيق روحه وموطن وطئ قدمه لأول مرة يطمح في ان تتم حماية المبنى او يعاد تأهيله او اي شيء اخر يبقي هذا المكان امام عيناه اللتان باتا يبصران بشكل ضعيف جداً . 
نشر في جريدة السماوة العدد331
نشر في جريدة المحافظة العدد 26

1 التعليقات :

غير معرف يقول...

عافاك الله وجميل منك ان تكتب عن الاطلال وتذهب بقلمك السارد بلسان الزمان عن الغابر من الايام.
بالتوفيق لبنان

إرسال تعليق