الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

رفرفة من الدهشة - قصة قصيرة -



رفرفة من الدهشة – قصة قصيرة-
علي حسين الجابري


عطر فرنسي فاخر  ذلك الذي نثره فوق جسده وملابسه المرتبة ... خرج من داره ورئتاه ملأى بالتفاؤل والأمل الكبير وذرات العطر المتطايرة من قميصه تجعله يمارس الشهيق بكميات كبيرة ويتعمد الإبطاء في زفراته يسير بخطوات تتقارب فيها قدماه متأنق وكأنه في ليلة زفاف هكذا اعتاد الخروج كل يوم .
يرى احدهم في الشارع يقترب في اتجاه عكس وجهته ... انه فتى يحمل 
شيء هكذا قالت خلايا دماغه المنهمكة بتذكر أبيات من قصيدة قالها نزار قباني ذات يوم , يرسل بها إشارات لترددها شفتاه :
يسمعني حين يراقصني .... كلمات ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي .... يزرعني في إحدى الغيمات
يردد بلا توقف وكأنه جهاز تسجيل في سوق شعبي والبيت الشعري طبع في ذاكرته التي لا يشغلها حاليا سوى ذلك الفتى وما يحمل على كتفه وبيده... يصاب بدهشة كبيرة حين اقترب منه ... لا يصدق ما يرى ... يقرر من غير الرجوع الى قانون التعقل والأسباب الطبيعية ونظريات الرؤيا , ينزل عويناته من صهوة انفه المتوسع بفعل استنشاق ذرات العطر الذي يعشقه والذي اعتاد عليه ... يخرج من جيب بنطاله ورقة كيلنكس بيضاء نقش عليها زهور نافرة و كانت هي معطرة ايضاً ... يمسح زجاج نافذته على الحياة ورأسه للأسفل يتابع عملية التنظيف ولأنه يريد ان يرجع عويناته لعله يرى منظراً غير الذي رآه آنفا ...  ينهي كل ما شغل به يديه وتعود عويناته إلى أعلى أنفة الذي تسارعت به الأنفاس بفعل الدهشة ... يرى المنظر ذاته ولم يغير تنظيف الزجاج شيء من الواقع !.
خطواته حينها أصابها الخمول وكأنه يقف بمكانه بلا حراك يرى فتى بعمر الورد يحمل على كتفه كيساً كبير من خيبة الأمل .. وانكسار الخاطر.. وضياع الأماني والأحلام.. كان ثوبه مطرز بألم وضياع .. ودرن لم يترك في ثوبه الأبيض مكان للبياض , كان الدرن على الدرن والبقعة على البقعة وكيسه المتدلي من كتفه الشمال يقطر وجع .. وساعات العمر.. وأيام الحياة القاسية مع ما تفرز تلك القذارات .
لم يكن هذا الوحيد بين اليافعين هنا في بلدي ... لكنه تميز بشيء لم يتميز به غيره , كان ذلك الشيء الباعث للاستغراب والدهشة , فقد كان يحمل كيساَ على كتفه الشمال يمسك بعنقه بقبضة يده , لكنه لم يترك اليد الأخرى للعبث او الفراغ , يحمل بها ( علم العراق)  ناصع بياضه يبرق بين الأحمر والأسود فيه عبارة التكبير .
تلك العبارة التي تعني الكثير والكثير لأولي الألباب والراسخين في العلم ولان العلم شاملً لكل شيء فإنها تعني الكثير لكل شيء في الحياة , لم يصدق ما رأته عيناه من رفرفة العلم على وجه الفتى قرر ترك نزار وأشعاره وذلك التيه في بحور شعر الغرام والغزل  .
اعمل فكره في تفسير ما رآه في عالم اليقظة لا الأحلام  لينتهي كل شيء مع انطلاق صوت منبه السيارة التي تقله كل يوم إلى مكان عمله .
نشرت في جريدة العراق اليوم 
نشرت في جريد السماوة

1 التعليقات :

غير معرف يقول...

الله يعطيكم العافيه ويقويكم لتكونوا نِعم الواعظين لشباب اليوم علهم يدركون ....
فبلعلم يعلى الشأن وترفع اعلام البلاد شامخة والحق معكم لا ينفعها التيه في بحور الغرام والغزل .
ويبقى العلم نور والجهل ظلام .
سلمكم الله ودام قلمكم .
لبنان

إرسال تعليق