الاثنين، 13 يوليو 2020

حروف ملتهبة – قصة قصيرة

حروف ملتهبة – قصة قصيرة 

علي حسين الجابري

على سُلم الدار يترنح كما لو كان ثملاً , عيناه تبحران باتجاه صوب واحد يتيه فيهما التيه ذاته , تتثاقل اقدامه كمن يساق الى مقصلة , على شفى لحظة من ان يودع الحياة , هكذا يتجه سمير نحو سطح منزلهم , كمن يريد ان يحتظر حيث لا يراه احد .

 يغلق خلفه باب لطالما فتحت قبل هذه الساعة ابواب من الاحلام الوردية الحافلة بالعناق والاشواق , لم تكمل ساقاه رحلة اليأس التي قرر ان يسير فيها حتى بدا في وضع البروك ولا يزال التيه هو المسيطر على عينيه , يرى دون ان يرى,  وقد تعطلت الحواس الخمس لديه , يتفقد بأنامل مرتعشة كيس اسود جلبه معه كأنه لا يقوى على فتحه او انه يخشى ان يفتحه فترى الشمس ما كان يخبئ عنها وتشهد السماء على ذلك , الارتعاشة التي كانت في بادئ الامر تتجول بين اصابعه تسيطر الان وتعلن احتلالها لذلك الجسد النحيل النحيف .

حتى ذلك الكيس الثقيل الخفيف  يرتجف تواليا مع رعشة جسد سمير , تملكه الخوف وشعور بالضياع وبرغبة موحشة لفعل شيء ما , كان يتردد في فتح ذلك الصندوق الاسود الذي يخبئ فيه كل اسرار انقلاباته,  حتى بدا كأنه يحتوي على افعى مجلجلة يخشى ان تخرج لتذيقه من سمها كأس الموت , او ربما يخشى ان فتح ذلك الكيس تهرب سنوات عمره وايام شبابه فلا يتمكن من جمعها وتجميع ما تناثر منها .

يبصر صفيحة معدنية اوحت له بفكرة لم تطرق خلايا تفكيره اليائس حاول ان يتشبث بها ليخرج من جمود المشاعر والحواس والوحل الذي لا يعرف كيف علقت به قدميه .

 لحظة شجاعة او نوبة قوة اطبق فيها جفيه ليفتح صمام الاسرار ,  ويلقي كل ما فيه ارضاً , يسرع الى الصفيحة لتكون حصنه الحصين من كابوسه الذي يجثم على قلبه ويؤدي به الى دركات الجحيم , فلطالما قرر مراراً ان ينهي بؤسه بشفرة سكين او رصاصة قبل لحظة وطئه سلم الدار .

اضرم النار ولما استعر اوارها مد انامله ليلتقط تلك الرسائل الملونة والاوراق المعطرة بشذى الحب والعشق المحكوم بالإعدام حرقا فوق سطح الدار , اخذ اول رسالة كانت تحمل اعترافاً بالهيام ليلقمها فم النار المستعرة والنهمة ولتحترق في فؤاده قبل ناره التي سجرها وليستمر في قراءة الرسائل حتى الاخيرة منها ويلقن اللهب ما كان يقول وتقول, فكانت النار شاهده الوحيد  على عشقه في زمن الخداع , دمعة بعد اخرى الى ان رتل سمير كل آيات عشقه قرب ناريه حتى وصل لأخر نبضة في عشقه المفقود اعاد قراءتها مضرجة بدموع الفراق فاوحى له قلبه المنكسر ان يا سمير بلغت نهاية العشق فاخلع قلبك والقه في نارك ليتطهر او ليرحل فتوقفت الحياة عن الجريان في عروقه وحل الظلام ولم يسمع بعدها الا صوت طنين اجهزة الانعاش ودموع تضرب الارض كطبول هزيمة لجيش منكسر وام ترتل القرآن باكية راجية ان يعود وحيدها من فم الحوت او غياهب الظلام .

 


0 التعليقات :

إرسال تعليق